شاعر الاستقلال شعر الدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف

شاعر الاستقلال

شعر الدكتور عبدالواحد عبدالله يوسف
مُهدى إلى الشاعر العظيم محمد المكي إبراهيم

 

وطني…
يا واحةَ حُبٍ تَنداحُ مع الزمنِ
أدعوكَ، فهل تسمعني…
في اليومِ الأولِ من ينايرَ،
يومِ العُرْسِ الأكبر،
يزدانُ الكونُ ويُزْهــرُ.
أدعو أحبابي الشعراءْ،
وملايينَ الشرفاءْ،
كي نفرحَ بالعرسِ الأكبر
طربًا في حاراتِ الفقراءْ،
بعيدًا عن كلِّ الأضواء،
كي نسمعَ عن قُرْبٍ أصواتَ البُؤساء،
ونُصَلِّي في حضرتهم
من أجلِ الوطنِ السمحِ المعطاءْ.
ونقولُ معًا بالصوتِ العالي:
يكفينا بُؤسًا وعذابًا وشقاءْ،
في وطنٍ هدَّتْهُ الأنواءْ،
واغْتالتْ أحلامَ بنيهِ الأهواءْ.
في هذا الزمنِ القاهرْ
صارتْ تتقاذفُنا الأمواجْ
من شطٍّ للشطِّ الآخرْ،
ما أنْ نخرجَ من نفقٍ
حتى نُحْشَرَ في نفقٍ آخرْ،
ما أنْ نصحو من سَكْرةِ موتٍ
حتى يلقانا موتٌ آخرْ.
فِتَنٌ وصراعٌ لا يُجدي
نفعًا أو يروي زرعًا،
أو يرفِدُ ضرعًا…
وطنٌ أعياهُ القهرْ،
والجهلُ المُطْبقُ بالعصرْ،
والحظُّ العاثرُ والأهوالْ،
ورديءُ الأعمالْ،
وشقاءٌ سَحَقَ الأجيالْ،
وهمومٌ لم تخطرْ بالبَالْ.
في هذا البلدِ الشاسعْ،
الشهمِ الضخمِ الممتدِ
كظلِّ اللهِ على الأرضْ،
أطفالٌ في عُمْرِ الوردِ
يجوبونَ الطرقاتْ،
بحثًا عن بعضِ قُتاتْ،
عن قطعةِ خبزْ…
عن قطرةِ ماءْ…
عن لمسةِ كفٍّ حانٍ
تمسحُ عن أعينهم هذا الإعياءْ.
لكنْ، يا للهولْ!
ما عادَ الناسُ كما كانوا رحماءْ،
ما عادَ الحُكمُ في بلدي
بذْلًا ووفاءً ونقاءْ،
ما عادتْ “تلكَ الأشياءُ هيَ الأشياءْ”.
كنَّا في الزمنِ التالدْ
نَحْلمُ بالوطنِ الواحدْ،
ونناضلُ من أجلِ الوطنِ الواحد،
ونُغنِّي للوطنِ الواحد،
ونفاخرُ بالوطنِ الواحد،
وطنًا معجونًا بالعدلِ والسَّلْمِ هواهْ،
وطنًا لا يستكبِرُ فيه عِرقٌ أو جاهْ،
وطنًا لا يركعُ فيه الإنسانُ لغيرِ اللهْ.
أمَّا اليومْ… فيا للشؤمْ!
انشطَرَ الوطنُ الواحدُ شَطْرَينْ،
في حضرةِ حشدٍ معصوبِ العينينْ،
وحَميمِ عناقٍ بينَ الفرقاءْ،
تمَّ طلاقٌ بينَ الغابةِ والصحراءْ،
حدثٌ شائنْ… هزَّ الآفاقَ صداهُ،
لم نُدركْ حتى الساعةِ معناهُ.
وظللنا نسألْ:
ما المَخْرَجُ من هذا النفقِ المحمومِ الأعْرجْ؟
هل ضاعَ الوطنُ الفخمُ الشهمْ؟
هل حقًّا نحنُ أضعْناه؟
أقولُ نعمْ…
بغيابِ الوعي أضعْناه،
بفتاوى “خبراءِ السوءِ” أضعْناه.
أقولُ نعمْ…
وليُنْكِرْ مَنْ شاءَ كما شاءْ،
ومتى شاءْ.